بعد تدهورها جراء حرب غزة.. كيف تحاول تل أبيب إعادة صياغة صورتها في عقول الأمريكيين؟
بعد تدهورها جراء حرب غزة.. كيف تحاول تل أبيب إعادة صياغة صورتها في عقول الأمريكيين؟
كشفت صحيفة هآرتس العبرية الخميس أن حكومة بنيامين نتنياهو أطلقت حملة دعائية ضخمة داخل الولايات المتحدة في محاولة لإعادة تحسين صورتها المتدهورة، بعدما تراجعت شعبيتها في الأوساط الأمريكية عقب حرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة طوال عامين بدعم أمريكي مباشر.
وأوضحت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية وقعت عقوداً بملايين الدولارات مع شركات دعاية أمريكية، بعضها متخصص في حملات التأثير السياسي واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليد.
عقود بملايين الدولارات
تظهر الوثائق الرسمية أن إسرائيل استعانت بشركات علاقات عامة وشبكات تسويق رقمي لإطلاق حملات تستهدف الجمهور الأمريكي عموماً والمجتمعات المسيحية خصوصاً، وأشارت الصحيفة إلى أن من بين المتعاقدين مديراً سابقاً لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشركات ذات صلة باليمين الجمهوري والكنائس الإنجيلية، وتبلغ قيمة أحد العقود الموقعة مع شركة كلوك تاور إكس، ستة ملايين دولار تمتد على أربعة أشهر، ويهدف إلى إنتاج محتوى رقمي ضخم يتضمن فيديوهات وبودكاست ونصوصاً ورسومات تستهدف الشباب الأمريكيين على منصات مثل تيك توك وإنستغرام ويوتيوب.
تراجع التأييد الأمريكي لإسرائيل
جاءت هذه الخطوة في ظل تراجع ملاحظ في الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل، خاصة بين الشباب والإنجيليين المحافظين، بحسب استطلاعات مركز بيو للأبحاث بين عامي 2022 و2025، وأظهرت الأرقام أن نسبة الأمريكيين الذين ينظرون سلباً إلى إسرائيل ارتفعت من 42 في المئة إلى 53 في المئة خلال ثلاث سنوات، في حين أبدى نصف الجمهوريين الشباب مواقف نقدية من سياسات تل أبيب. ويرى مراقبون أن استمرار الحرب على غزة وما خلفته من مجازر ودمار هائل أسهم في انهيار الصورة الإسرائيلية التي كانت تتمتع سابقاً بتعاطف واسع داخل الولايات المتحدة.
الذكاء الاصطناعي يدخل ساحة الدعاية
بحسب الصحيفة، تشمل الحملات الإسرائيلية محاولات للتأثير في نتائج البحث وخدمات الذكاء الاصطناعي، ومنها أنظمة الدردشة التفاعلية المنتشرة عالمياً، وتضمن أحد العقود بنداً خاصاً بتصميم محتوى لغوي يستهدف التأثير في الإجابات التي تقدمها روبوتات الدردشة عند طرح أسئلة تتعلق بإسرائيل أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويُعتقد أن هذه المحاولات تمثل أول محاولة موثقة علناً لدولة تسعى إلى إعادة تشكيل الخطاب العام عبر أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
دعاية رقمية وملايين المشاهدات
ينص عقد شركة كلوك تاور إكس على إنتاج أكثر من مئة مادة رئيسية شهرياً وخمسة آلاف مادة فرعية لتحقيق خمسين مليون مشاهدة شهرياً، ويستهدف ثمانون في المئة من هذه المواد فئة الشباب الأمريكيين في محاولة لتصحيح الانطباعات السلبية تجاه إسرائيل بعد حرب غزة، كما كشفت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية أنفقت أكثر من خمسة وأربعين مليون دولار خلال النصف الثاني من عام 2025 على إعلانات مدفوعة مع شركات كبرى مثل غوغل ويوتيوب وإكس، ضمن ما وصفته الصحيفة بأكبر عملية دعائية في تاريخ إسرائيل الحديث.
تداعيات سياسية ورمزية
تزامن الكشف عن هذه الحملات مع حدث رمزي اعتبره المراقبون دليلاً على التحول في المزاج الأمريكي تجاه إسرائيل، وهو فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك رغم مواقفه الصريحة التي تصف ما جرى في غزة بأنه إبادة جماعية، وكان ممداني قد أعلن عزمه تنفيذ مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو إذا زار المدينة، في إشارة إلى تزايد الأصوات الأمريكية التي تطالب بمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب.
خلال عامي 2023 و2025 شهد قطاع غزة حرب إبادة غير مسبوقة أسفرت عن مقتل أكثر من ثمانية وستين ألف فلسطيني وإصابة نحو مئة وسبعين ألفاً، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير تسعين في المئة من البنى التحتية المدنية، وقدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار بنحو سبعين مليار دولار، في حين تصاعدت الإدانات الدولية وسط دعم أمريكي متواصل لإسرائيل.
وتسببت الحرب في تآكل مكانة إسرائيل الأخلاقية والسياسية في الغرب، ما دفع حكومتها إلى إطلاق حملات دعائية في محاولة لاستعادة السيطرة على صورتها الخارجية، ويصف خبراء الإعلام والسياسة هذه الجهود بأنها امتداد للحرب بوسائل أخرى، انتقلت من ساحات القتال إلى ساحات الرأي العام والفضاء الرقمي.











